فصل: فصل أما حكم الدفع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 باب التعزير

هو مشروع في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة سواء كانت من مقدمات ما فيه حد كمباشرة أجنبية بغير الوطء وسرقة ما لا قطع فيه والسب والإيذاء بغير قذف أو لم يكن كشهادة الزور والضرب بغير حق والتزوير وسائر المعاصي وسواء تعلقت المعصية بحق الله تعالى أم بحق آدمي ثم جنس التعزير من الحبس أو الضرب جلداً أو صفعاً إلى رأي الإمام فيجتهد ويعمل ما يراه من الجمع بينهما والاقتصار على أحدهما وله الاقتصار على التوبيخ باللسان على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى قال الإمام قال الأصحاب عليه أن يراعي الترتيب والتدريج كما يراعيه دافع الصائل فلا يرقى إلى مرتبة وهو يرى ما دونها مؤثراً كافياً وأما قدر التعزير فإن كان من غير جنس الحد كالحبس تعلق باجتهاد الإمام وإن رأى الجلد فيجب أن ينقص عن الحد وفي ضبطه أوجه أحدها أنه يفرق بين المعاصي وتقاس كل معصية بما يناسبها من الجناية الموجبة للحد فيعزر في الوطء المحرم الذي لا يوجب حداً وفي مقدمات الزنى دون حد الزنى وفي الإيذاء والسب بغير قذف دون حد القذف وفي إدارة كأس الماء على الشرب تشبيهاً بشاربي الخمر دون حد الخمر وفي مقدمات السرقة دون حد الزنى وعلى هذا فتعزير الحر يعتبر بحده والعبد بحده والوجه الثاني أن جميع المعاصي سواء ولا يزاد تعزير على عشر جلدات للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد ‏"‏ والثالث وهو الأصح عند الجمهور وظاهر النص أنه تجوز الزيادة على عشرة بحيث ينقص عن أدنى حدود المعزر فلا يزاد تعزير حر على تسع وثلاثين جلدة ولا العبد على تسع عشرة والحديث قال بعضهم إنه منسوخ واستدل بعمل الصحابة رضي الله عنهم بخلافه من غير إنكار والرابع يعتبر أدنى الحدود على الإطلاق فلا يزاد حر ولا عبد على تسع عشرة والخامس حكاه البغوي الاعتبار بحد الحر فيبلغ بالحر والعبد تسعاً وثلاثين‏.‏

من الأصحاب من يخص لفظ التعزير بضرب الإمام أو نائبه للتأديب في غير حد ويسمى ضرب الزوج زوجته والمعلم الصبي والأب ولده تأديباً لا تعزيراً ومنهم من يطلق التعزير على النوعين وهو الأشهر فعلى هذا مستوفي التعزير الإمام والزوج والأب والمعلم والسيد أما الإمام فيتولى بالولاية العامة إقامة العقوبات حداً وتعزيراً والأب يؤدب الصغير تعليماً وزجراً عن سيئ الأخلاق وكذا يؤدب المعتوه بما يضبطه ويشبه أن تكون الأم في زمن الصبي في كفالته كذلك كما ذكرنا في تعليم أحكام الطهارة والصلاة والأمر بها والضرب عليها أن الأمهات كالآباء والمعلم يؤدب الصبي بإذن الولي ونيابة عنه والزوج يعزر زوجته في النشوز وما يتعلق به ولا يعزرها فيما يتعلق بحق الله تعالى والسيد يعزر في حق نفسه وكذا في حق الله تعالى على الأصح وإذا أفضى تعزير إلى هلاك وجب الضمان على عاقلة المعزر ويكون قتله شبه عمد فإن كان الإسراف في الضرب ظاهراً وضربه بما يقصد به القتل غالباً فهو عمد محض وحكى الإمام عن المحققين تفريعاً على هذه القاعدة أن المعزر إذا علم أن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح لم يكن له الضرب المبرح ولا غيره أما المبرح فلأنه مهلك وليس له الإهلاك وأما غيره فلا فائدة فيه‏.‏

 فصل الجناية المتعلقة بحق الله تعالى خاصة

يجتهد الإمام في تعزيرها بما يراه من ضرب أو حبس أو اقتصار على التوبيخ بالكلام وإن رأى المصلحة في العفو فله ذلك وإن تعلقت الجناية بحق آدمي فهل يجب التعزير إذا طلب وجهان أحدهما يجب وهو مقتضى كلام صاحب المهذب كالقصاص والثاني لا يجب كالتعزير لحق الله تعالى وهذا هو الذي أطلقه الشيخ أبو حامد وغيره ومقتضى كلام البغوي ترجيحه وقال الإمام قدر التعزير وما به التعزير إلى رأي الإمام ولا تكاد تظهر جنايته عند الإمام إلا ويوبخه ويغلظ له القول فيؤول الخلاف إلى أنه هل يجوز الاقتصار على التوبيخ ولو عفا مستحق العقوبة عن القصاص أو الحد أو التعزير فهل للإمام التعزير فيه أوجه أحدها لا لأنه أسقطها والثاني نعم لأن فيه حقاً لله تعالى ويحتاج إلى زجره وزجر غيره عن مثل ذلك وأصحها إن عفا عن الحد فلا تعزير وإن عفا عن تعزير عزر لأن الحد مقدر لا نظر للإمام فيه فإذا سقط لم يعدل إلى غيره والتعزير يتعلق أصله بنظره فلم يؤثر فيه إسقاط غيره وبالله التوفيق‏.‏

 كتاب ضمان إتلاف الإمام وحكم الصيال وإتلاف البهائم

 الباب الأول في ضمان يلزم الولاة بتصرفاتهم

وفيه طرفان‏.‏

الطرف الأول في موجب الضمان والثاني في محله‏.‏

أما الأول فما يفضي إلى الهلاك من التصرفات المتعلقة بالولاة أنواع أحدها التعزير فإذا مات منه المعزر وجب ضمانه لأنه تبين بالهلاك أنه جاوز الحد المشروع وحكي وجه أنه لا ضمان إذا عزر لحق الآدمي بناء على أنه واجب إذا طلب المستحق فصار كالحد والصحيح الأول ويجب الضمان أيضاً في تعزير الزوج والمعلم إذا أفضى إلى الهلاك سواء ضربه المعلم بإذن أبيه أو دون إذنه لكن لو كان مملوكاً فضربه بإذن سيده قال البغوي لا ضمان لأنه لو أذن في قتله فقتله لم يضمنه ثم الضمان الواجب الدية على عاقلة الزوج والمعلم وفي حق الإمام هل هو على عاقلته أم في بيت المال فيه خلاف سبق ويعود أيضاً إن شاء الله تعالى لكن لو أسرف المعزر وظهر منه قصد القتل تعلق به القصاص والدية المغلظة في ماله‏.‏

الثاني الحد والحدود في غير الشرب مقدرة بالنص فمن مات منها فالحق قتله فلا ضمان لكن لو أقيم الحد في حر أو برد مفرطين ففي الضمان خلاف سبق والمذهب أنه لا ضمان أيضاً وأما حد الشرب فإن ضرب بالنعال وأطراف الثياب فمات منها ففي وجوب الضمان وجهان بناء على أنه هل يجوز أن يحد هكذا إن قلنا نعم وهو الصحيح فلا ضمان كسائر الحدود وإلا فيجب لأنه عدل عن الجنس الواجب ولو ضرب أربعون جلدة فمات ففي الضمان قولان ويقال وجهان أحدهما يضمن لأن تقديره بأربعين كان بالاجتهاد والمشهور لا ضمان كسائر الحدود لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على أن الشارب يضرب أربعين وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين فإن قلنا بالضمان فهل يجب كل الضمان أم نصفه أم يوزع على التفاوت بين ألم السياط والضرب بالنعال وأطراف الثياب فيه أوجه أصحها الأول وإن ضربه أحد وأربعين فهل يجب كل الضمان أم نصفه أم جزء من أحد وأربعين جزءاً فيه أقوال أظهرها الثالث وإن ضرب اثنين وأربعين وقلنا بالثالث وجب جزءان من اثنين وأربعين وعلى هذا القياس حتى إذا ضرب ثمانين استوى القول الثاني والثالث ووجب النصف ولو جلد في القذف أحداً وثمانين فمات فهل يجب نصف الدية أم جزء من أحد وثمانين جزءاً منها فيه القولان ثم إن كانت الزيادة من الجلاد ولم يأمره الإمام إلا بالثمانين فالضمان على اختلاف القولين على الجلاد وإن أمر الإمام بذلك فالضمان متعلق بالإمام وكذا لو قال الإمام اضرب وأنا أعد فغلط في العد فزاد على الثمانين ولو أمر الإمام بثمانين في الشرب فزاد الجلاد جلدة واحدة ومات المجلود فأربعة أوجه أصحها توزع الدية أحد وثمانون جزءاً يسقط منها أربعون ويجب أربعون على الإمام وجزء على الجلاد والثاني يسقط ثلث الدية ويجب على الإمام ثلث وعلى الجلاد ثلث والثالث يسقط نصفها ويجب على الإمام ربع وعلى الجلاد ربع والرابع يسقط نصفها ويوزع نصفها على أحد وأربعين جزءاً أربعون على الإمام وجزء على الجلاد‏.‏

الثالث الاستصلاح بقطع سلعة وبالختان وفيه مسائل‏:‏ إحداها في حكم قطع السلعة من العاقل المستقل بأمر نفسه والسلعة بكسر السين وهي غدة تخرج بين اللحم والجلدة نحو الحمصة إلى الجوزة فما فوقها وقد يخاف منها وقد لا يخاف لكن تشين فإن لم يكن في قطعها خطر وأراد المستقل قطعها لإزالة الشين فله قطعها بنفسه ولغيره بإذنه وإن كان في قطعها خطر نظر إن لم يكن في بقائها خطر لم يجز القطع لإزالة الشين فإن كان في بقائها خوف أيضاً نظر إن كان الخطر في القطع أكثر لم يجز القطع وإن كان في الإبقاء أكثر جاز القطع على الصحيح وقيل لا لأنه فتح باب الروح بخلاف الإبقاء وإن تساوى الخطر جاز القطع على الأصح إذ لا معنى للمنع مما لا خطر فيه وأما من عظمت آلامه ولم يطقها فأراد أن يريح نفسه بمهلك مذفف فيحرم ذلك فلو وقع في نار علم أنه لا ينجو منها وأمكنه أن يلقي نفسه في بحر ورأى ذلك أهون عليه من الصبر على لفحات النار فله ذلك على الأصح وهو قول الشيخ أبي محمد ولو تآكل بعض الأعضاء فهو كسلعة يخاف منها ولو قطع السلعة أو العضو المتآكل من المستقل قاطع بغير إذنه فمات لزمه القصاص سواء فيه الإمام وغيره لأنه متعد‏.‏

الثانية المولى عليه لصغر أو جنون يجوز لوليه الخاص وهو الأب والجد أن يقطع من السلعة واليد المتآكلة وإن كان فيه خوف وخطر إذا كان الخطر في الترك أكثر وليس للسلطان ذلك لأن القطع يحتاج إلى نظر دقيق وفراغ تام وشفقة كاملة كما أن للأب والجد تزويج البكر الصغيرة دون السلطان قال الإمام وقد ذكرنا عند استواء الطرفين في الخوف خلافاً في أن المستقل هل له القطع من نفسه والأصح والحالة هذه أنه لا يقطع من طفله وأما ما لا خطر فيه ولا خوف غالباً كالفصد والحجامة وقطع سلعة بلا خطر فيجوز فعله للولي الخاص وكذا للسلطان وفي التهذيب وجه أن القطع المخطر لا يجوز للولي الخاص وفي جمع الجوامع للروياني وجه أنه لا يجوز للسلطان الفصد والحجامة والصحيح ما سبق وليس للأجنبي المعالجة ولا القطع المخطر بحال ولو فعل فسرى ومات به تعلق بفعله القصاص والضمان وأما السلطان إذا فعل بالصبي ما منعناه فسرى إلى نفسه فعليه الدية مغلظة في ماله لتعديه وقيل في كونه في بيت المال أو على عاقلته القولان كما لو أخطأ لأنه قصد الإصلاح والمذهب الأول وفي وجوب القصاص قولان أظهرهما لا يجب لأنه قصد الإصلاح واستبعد الأئمة وجوب القصاص وقال صاحب الإفصاح القولان إذا كان للصبي أب أو جد فإن لم يكونا فلا قود بلا خلاف لأنه لا بد له ممن يقوم بشأنه وهذا راجع إلى أن للسلطان قطع السلعة ولو قطع الأب والجد السلعة حيث لا يجوز فمات فلا قصاص للبعضية وتجب الدية في ماله وقيل لا ضمان على الأب أصلاً لأن ولايته أتم وإنما يقطعها للشفقة وأما ما يجوز للأب والسلطان من فصد الصغير وحجامته وقطع سلعته للأب إذا أفضى إلى تلف فلا ضمان فيه على الأصح وبه قال الجماهير لئلا يمتنع من ذلك فيتضرر الصغير بخلاف التعزير‏.‏

الثالثة الختان واجب في حق الرجال والنساء وقيل سنة وقيل واجب في الرجل سنة في المرأة والصحيح المعروف هو الأول وختان الرجل قطع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف جميع الحشفة ويقال لتلك الجلدة القلفة قال الإمام فلو بقي مقدار ينبسط على سطح الحشفة وجب قطعه حتى لا يبقى جلد متجاف هذا هو الصحيح المعروف للأصحاب وقال ابن كج عندي يكفي قطع شيء من الحشفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها وأما من المرأة فتقطع من اللحمة التي في أعلق الفرج فوق مخرج البول وتشبه تلك اللحمة عرف الديك فإذا قطعت بقي أصلها كالنواة ويكفي أن يقطع ما يقع عليه الاسم قال الأصحاب وإنما يجب الختان بعد البلوغ ويستحب أن يختن في السابع من ولادته إلا أن يكون ضعيفاً لا يحتمله فيؤخر حتى يحتمله قال الإمام ولو كان الرجل ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه لم يجز أن يختن بل ينتظر حتى يصير بحيث يغلب على الظن سلامته وفي وجه في تعليق القاضي حسين وهو مقتضى كلام البغوي لا يجوز ختان الصغير حتى يبلغ عشر سنين قلت ولنا وجه في البيان وغيره أنه يجب على الولي ختان الصغير قبل بلوغه لأنه أرفق فعليه النظر له والصحيح أنه لا يجب حتى يبلغ وهل يحسب يوم الولادة من السبعة المستحبة وجهان في المستظهري أصحهما لا وحكاه عن الأكثرين وأما الخنثى فلا يختن في صغره فإذا بلغ فوجهان أحدهما يجب ختان فرجه ليتوصل إلى المستحق وبهذا قطع في البيان وأصحهما لا يجوز ختانه لأن الجرح لا يجوز بالشك وبه قطع البغوي فعلى الأول إن أحسن الختان ختن نفسه وإلا اشترى جارية تختنه فإن لم يمكن تولاه الرجال والنساء للضرورة كالتطبيب ولو كان لرجل ذكران إن كانا عاملين ختنا وإن كان أحدهما ختن وحده وهل يعرف العمل بالجماع أو البول وجهان والله أعلم‏.‏

فرع مؤنة الختان في مال المختون وفي وجه يجب على الوالد إذا ختن صغيراً‏.‏

فرع إذا بلغ غير مختون أمره به الإمام فإن امتنع أجبره فإن ختن الممتنع فمات فلا ضمان لأنه مات من واجب لكن لو وقع ختانه في حر أو برد شديدين ففي الضمان خلاف سبق في الزنى والمذهب وجوبه وأجرى الإمام هذا الخلاف فيما لو ختنه الأب في حر أو برد شديدين وجعل الأب أولى بنفي الضمان لأن الأب هو الذي يتولى الختان غالباً فهو في حقه كالحد في حق الإمام ومن ختن صبياً في سن لا يحتمله فمات منه لزمه القصاص سواء الولي وغيره لكن لا قصاص على الأب والجد للبعضية وعليهما الدية وإن كان في سن يحتمله فمات نظر إن ختنه أبوه أو جده أو الإمام إذا لم يكن له ولي غيره فلا ضمان على الأصح وإن ختنه أجنبي فقال البغوي يحتمل أن يبنى على ختن الإمام في الحر الشديد إن ضمناه ضمن هنا وإلا فلا وقال السرخسي يبنى على أن الجرح اليسير هل فيه قصاص وفيه وجهان إن قلنا نعم فهو عمد وإلا فشبه عمد وإذا أوجبنا الضمان في الختان في حر شديد فالواجب نصف الضمان على الأصح وقيل كله‏.‏

الطرف الثاني في محل ضمان إتلاف الإمام فما تعدى به من التصرفات وقصر فيه أو أخطأ لا يتعلق بالحكم بأن رمى صيداً فقتل إنساناً حكمه فيه حكم سائر الناس فيجب في ماله أو على عاقلته وأما الضمان الواجب بخطأه في الأحكام وإقامة الحدود فهل هو على عاقلته أم في بيت المال قولان أظهرهما على عاقلته وقد سبقا في باب العاقلة فإن قلنا على العاقلة فالكفارة في ماله وإن قلنا على بيت المال فهل الكفارة في بيت المال أم في ماله وجهان فلو ضرب الإمام في الخمر ثمانين ومات المجلود ففي محل الضمان القولان ولو جلد حاملاً حداً فألقت جنيناً ميتاً ففي محل الغرة القولان إن جهل حملها فإن علمه فقيل بالقولين والمذهب أنها على عاقلته لأنه عدل عن الصواب عمداً ولو انفصل حياً ومات وجب كل الدية ومحلها على ما ذكرنا ولو ماتت الحامل فقد أطلق في مختصر أنه لا يضمنها قال الشيخ أبو حامد وغيره إن ماتت من الجلد وحده بأن ماتت قبل الإجهاض فلا ضمان وهو موضع النص وذكر ابن الصباغ أن فيه والحالة هذه الخلاف فيما لو حده في حر مفرط فمات وإن ماتت من الإجهاض وحده بأن أجهضت ثم ماتت وأحيل الموت على الإجهاض وجب كمال ديتها وإن قيل ماتت بالحد والإجهاض جميعاً وجب نصف ديتها‏.‏

فرع سنذكر في الشهادات إن شاء الله تعالى أن القاضي إذا حكم بشهادة اثنين ثم بانا عبدين أو ذميين نقض الحكم وإن بانا فاسقين نقضه على الأظهر فلو أقام الحد بشهادة اثنين ثم بانا ذميين أو عبدين أو امرأتين أو مراهقين أو فاسقين ومات المحدود فقد بان بطلان الحكم فينظر إن قصر في البحث عن حالهما فالضمان عليه لا يتعلق ببيت المال ولا بالعاقلة أيضاً إن تعمد قال الإمام وإنما يتردد في وجوب القصاص والراجح الوجوب لأن الهجوم على القتل ممنوع منه بالإجماع ويحتمل أن لا يجب بإسناده القتل إلى صورة البينة وإن لم يقصر في البحث بل بذل وسعه جرى القولان في أن الضمان على عاقلته أم في بيت المال ثم إذا ضمنت العاملة أو بيت المال فهل يثبت الرجوع على الشاهدين فيه أوجه أحدها نعم لأنهما غرا القاضي وأصحهما لا لأنهما يزعمان أنهما صادقان ولم يوجد منهما تعد وقد ينسب القاضي إلى تقصير في البحث والثالث يثبت الرجوع للعاقلة دون بيت المال فإن أثبتنا الرجوع طولب الذميان في الحال وفي العبدين يتعلق بذمتهما على الأصح وقيل بالرقبة وأما المراهقان فإن قلنا يتعلق برقبة العبدين نزلنا ما وجد منهما منزلة الإتلاف وإلا فقول الصبي لا يصلح للالتزام فلا رجوع وإن بانا فاسقين فإن قلنا لا ينقض الحكم فلا أثر له وإن قلنا ينقض ففي الرجوع عليهما أوجه أحدها نعم كالعبدين والثاني لا لأن العبد مأمور بإظهار حاله بخلاف الفاسق وأصحها إن كان مجاهراً بالفسق ثبت الرجوع لأن عليه أن يمتنع من الشهادة ولأن قبول شهادته مع مجاهرته يشعر بتعزيره وإن كان مكاتماً فلا‏.‏

قتل الجلاد وضربه بأمر الإمام كمباشرة الإمام إذا لم يعلم ظلمه وخطأه ويتعلق الضمان والقصاص بالإمام دون الجلاد لأنه آلته ولو ضمناه لم يتول الجلد أحد وإن علم أن الإمام ظالم أو مخطئ ولم يكرهه الإمام عليه فالقصاص والضمان على الجلاد دون الإمام لأنه إذا علم الحال لزمه الامتناع ويجيء على قولنا أمر الإمام إكراه أن يكون هذا كما لو أكرهه وإن أكرهه فالضمان عليهما وإن اقتضى الحال القصاص وجب على الإمام وفي الجلاد قولان ولو أمره بضربه وقال أنا ظالم في ضربه فضربه الجلاد ومات قال البغوي إن قلنا أمر السلطان ليس بإكراه فالضمان على الجلاد وإن قلنا إكراه فإن قلنا لا ضمان على المكره فالضمان على الإمام ولو قال افعل إن شئت فليس بإكراه قطعاً ولو قال اضرب ما شئت أو ما أحببت لم تكن له الزيادة على الحد فإن زاد ضمن ولو أمره بقتل في محل الاجتهاد كقتل مسلم بذمي وحر بعبد والإمام والجلاد يعتقدان أنه غير جائز فقتله قال البغوي القود عليهما إن جعلنا أمر السلطان إكراهاً وأوجبنا القود على المكره والمكره جميعاً ولو اعتقد الجلاد منعه والإمام جوازه أو ظن أن الإمام اختار ذلك المذهب ففي وجوب القصاص والضمان على الجلاد وجهان أصحهما عند الأصحاب الوجوب وبه قطع ابن الصباغ والبغوي وغيرهما لأن واجبه الامتناع فإن أكره فحكمه معروف والثاني لا اعتبار باعتقاد الإمام ولو كان الإمام لا يعتقد جواز قتل حر بعبد فأمره به تاركاً للبحث وكان الجلاد يعتقد جوازه فقتله عملا باعتقاده فقد بني على الوجهين قتله فإن اعتبرنا اعتقاد الإمام وجب القصاص وإن اعتبرنا اعتقاد الجلاد فلا قال الإمام وهذا ضعيف هنا لأن الجلاد مختار عالم بحال والإمام لم يفوض إليه النظر والاجتهاد بل القتل فقط فالجلاد كالمستقل‏.‏

 فصل لا ضمان على الحجام

إذا حجم أو فصد بإذن من يعتبر إذنه فأفضى إلى تلف وكذا لو قطع سلعة بالإذن للمعنى الذي ذكرناه في الجلاد بخلاف من قطع يداً صحيحة بإذن صاحبها فمات منه حيث توجب الدية على قول لأن الإذن هناك لا يبيح القتل وهنا الفعل جائز لغرض صحيح وأما إذا قطع بالإذن ووقف القطع فلم يسر فلا ضمان بلا خلاف وبالله التوفيق‏.‏

 الباب الثاني في الصيال

هو متضمن لمعرفة الصائل وهو المدفوع والمصول عليه وهو المدفوع عنه وكيفية الدفع وحكمه‏.‏

أما الصائل فكل قاصد من مسلم وذمي وعبد وحر وصبي ومجنون وبهيمة يجوز دفعه فإن أبى الدفع على نفسه فلا ضمان بقصاص ولا دية ولا كفارة ولا قيمة ولو سقطت جرة من علو واستوت على رأس إنسان وخاف منها ولم يمكنه دفعها إلا بإتلافها ففي الضمان وجهان أصحهما بجب لأنه قصد لها بخلاف الآدمي والبهيمة ولو حالت بهيمة بين جائع وطعامه في بيت ولم يصله إلا بقتلها ففي الضمان وجهان ويمكن أن يجعل الأصح هنا نفي الضمان كما ذكرنا فيما لو عم الجراد المسالك فوطئه المحرم‏.‏

أما المصول عليه فيجوز الدفع عن النفس والطرف ومنفعته والبضع ومقدماته وعن المال وإن قل إذا كانت المذكورات معصومة ويجوز لغير المصول عليه الدفع وله دفع مسلم صال على ذمي وأب صال على ابنه وسيد صال على عبده لأنهم معصومون مظلومون وحكى الإمام قولاً قديماً أنه لا يجوز الدفع عن المال إذا لم يحصل الدفع إلا بقتل أو قطع طرف والمشهور الأول وبه قطع الجماهير وفي الحديث الصحيح من قتل دون ماله فهو شهيد فله الدفع في كل هذه الصور وإن أتى الدفع على الصائل فلا ضمان فيه ولو وجده ينال من جاريته ما دون الفرج فله دفعه وإن أتى على نفسه وللأجنبي دفعه كذلك حسبة ويجوز أن يكون المدفوع عنه ملك القاصد فمن رأى إنساناً يتلف مال نفسه بأن يحرق كدسه ويغرق متاعه جاز له دفعه وإن كان حيواناً بأن رآه يشدخ رأس حماره وجب على الأجنبي دفعه على الأصح وبه قطع البغوي لحرمة الحيوان أما كيفية الدفع فيجب على المصول عليه رعاية التدريج والدفع بالأهون فالأهون فإن أمكنه الدفع بالكلام أو الصياح أو الاستغاثة بالناس لم يكن له الضرب وكذا لو اندفع شره بأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله لم يضربه وكذا لو حال بينهما جدار أو خندق أو نهر عظيم فإن حال نهر صغير وغلب على ظنه أنه إن عبر النهر عليه قال ابن الصباغ فله رميه ومنعه العبور أما إذا لم يندفع الصائل إلا بالضرب فله الضرب ويراعى فيه الترتيب فإن أمكن باليد لم يضربه بسوط وإن أمكن بسوط لم يجز بالعصا ولو أمكن بقطع عضو لم يجز إهلاكه وإذا أمكن بدرجة فدفعه بما فوقها ضمن وكذا لو هرب فتبعه وضربه ضمن ولو ضربه ضربة فولى هارباً أو سقط وبطل صياله فضربه أخرى فالثانية مضمونة بالقصاص وغيره فإن مات منهما لم يجب قصاص النفس ويجب نصف الدية لأنه هلك من مضمون وغيره ولو عاد بعد الجرحين فصال فضربه ثالثة فمات منها لزمه ثلث الدية ومتى غلب على ظنه أن الذي أقبل عليه بالسيف يقصده فله دفعه بما يمكنه وإن لم يضربه المقبل ولو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا ولم يجد المصول عليه إلا سيفاً أو سكيناً فالصحيح أن له الضرب به لأنه لا يمكنه الدفع إلا به ولا يمكن نسبته إلى التقصير بترك استصحاب سوط والمعتبر في حق كل شخص حاجته ولذلك نقول الحاذق الذي يحسن الدفع بأطراف السيف من غير جرح يضمن إن جرح ومن لا يحسن لا يضمن بالجرح ولو قدر المصول عليه على الهرب أو التحصن بموضع حصين أو على الالتجاء إلى فئة هل يلزمه ذلك أم له أن يثبت ويقاتل فيه اختلاف نص وللأصحاب طريقان أصحهما على قولين أظهرهما يجب الهرب لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون والطريق الثاني حمل نص الهرب على من تيقن النجاة بالهرب والآخر على من لم يتيقن‏.‏

فرع عض شخص يده أو عضواً آخر فليخلصه بأيسر الممكن فإن أمكن رفع لحييه وتخليص ما عضه فعل وإلا ضرب شدقه ليدعه فإن لم يمكنه وسل يده فسقطت أسنانه فلا ضمان وسواء كان العاض ظالماً أو مظلوماً لأن العض لا يجوز بحال ومتى أمكنه التخلص بضرب فمه لا يجوز العدول إلى غيره فإن لم يمكنه إلا بعضو آخر بأن يبعج بطنه أو يفقأ عينه أو يعصر خصييه فله ذلك على الصحيح وقيل ليس له قصد عضو آخر‏.‏

 فصل أما حكم الدفع

فقد ذكرنا أنه جائز وهل يجب أم يجوز الاستسلام وترك الدفع ينظر إن قصد أخذ المال أو إتلافه ولم يكن ذا روح لم يجب الدفع لأن إباحة المال جائزة وإن قصد أهله وجب عليه الدفع بما أمكنه لأنه لا مجال فيه وشرط البغوي للوجوب أن لا يخاف على نفسه وإن قصد نفسه نظر إن كان كافراً وجب الدفع وأشار الروياني إلى أنه لا يجب بل يستحب وهو غلط والصواب الأول وبه قطع الأصحاب وإن كان بهيمة وجب وإن كان مسلماً فقولان وقيل وجهان أظهرهما لا يجب الدفع بل له الاستسلام والثاني يجب وعن القاضي حسين أنه إن أمكنه دفعه بغير قتله وجب وإلا فلا والقائلون بجواز الاستسلام منهم من يزيد ويصفه بالاستحباب وهو ظاهر الأحاديث وإن كان الصائل مجنوناً أو مراهقاً فقيل لا يجوز الاستسلام قطعاً لأنهما لا إثم عليهما كالبهيمة والمذهب طرد القولين لحرمة الآدمي ورضى بالشهادة وهل يجب الدفع عن الغير فيه ثلاث طرق أصحها أنه كالدفع عن نفسه فيجب حيث يجب ولا يجب حيث لا يجب والثاني القطع بالوجوب لأن له الإيثار بحق نفسه دون غيره والثالث ونسبه الإمام إلى معظم الأصوليين القطع بالمنع لأن شهر السلاح يحرك الفتن وليس ذلك من شأن آحاد الناس وإنما هو وظيفة الإمام وعلى هذا هل يحرم أم يجوز فيه خلاف عنهم فإن أوجبنا فذلك إذا لم يخف على نفسه ثم قال الإمام الخلاف في أن آحاد الناس هل لهم شهر السلاح حسبة لا يختص بالصيال بل من أقدم على محرم من شرب خمر أو غيره هل لآحاد الناس منعه بما يجرح ويأتي على النفس فيه وجهان أحدهما نعم نهياً عن المنكر ومنعاً من المعصية والثاني لا خوفاً من الفتن ونسب الثاني إلى الأصوليين والأول إلى الفقهاء وهو الموجود للأصحاب في كتب المذهب حتى قال الفوراني والبغوي والروياني وغيرهم من علم خمراً في بيت رجل أو طنبوراً وعلم شربه أو ضربه فله أن يهجم على صاحب البيت ويريق الخمر ويفصل الطنبور ويمنع أهل الدار الشرب والضرب فإن لم ينتهوا فله قتالهم وإن أتى القتال عليهم وهو مثاب على ذلك وفي تعليق الشيخ إبراهيم المروذي أن من رآه مكباً على معصية من زنى أو شرب خمر أو رآه يشدخ شاة أو عبداً فله دفعه وإن أتى الدفع عليه فلا ضمان‏.‏

 فصل إذا وجد رجلا يزني بامرأته أو غيرها

لزمه منعه ودفعه فإن هلك في الدفع فلا شيء عليه وإن اندفع بضرب غيره ثم قتله لزمه القصاص إن لم يكن الزاني محصناً فإن كان فلا قصاص على الصحيح وقد سبق في الجنايات وإذا قال قتلته لذلك وأنكر وليه فعلى القاتل البينة وينظر إن ادعى أنه قصد امرأته فدفعه فأتى الدفع على نفسه ثبت ذلك بشاهدين وإن ادعى أنه زنى بها وهو محصن لم يثبت الزنى إلا بأربعة فإن لم يكن بينة حلف ولي القتيل على نفي العلم بما يقوله ومكن من القصاص ولو كان للقتيل وارثان فحلف أحدهما ونكل الآخر حلف القاتل للآخر وعليه نصف الدية للحالف وإن كان أحدهما بالغاً والآخر صغيراً وحلف البائع لم يقبض حتى يبلغ الصغير فيحلف أو يموت فيحلف وارثه وإن أخذ البالغ نصف الدية حكى الروياني أنه يؤخذ للصغير أيضاً فإذا بلغ حلف فإن نكل وحلف القاتل رد عليه ما أخذ ولو أقر الورثة أن مورثهم كان معها تحت ثوب يتحرك تحرك المجامع وأنزل ولم يقروا بما يوجب الحد لم يسقط القصاص وإن أقروا بما يوجبه وقالوا كان بكراً فالقول قولهم وعلى القاتل البينة بالحصان ولو أخرج سارق المتاع من حرزه ثم ألقاه وهرب لم يكن له أن يتبعه فيضربه فإن تبعه فقطع يده التي وجب قطعها بالسرقة فلا قصاص لأنها مستحقة الإزالة وكذا في قطع الطريق إذا قطع ما وجب قطعه منه لا قصاص لكن يعزر لافتئاته ويجيء في وجوب القصاص الخلاف السابق في الزاني المحصن ولو وجب الجلد على زان فجلده واحد من الناس لم يقع حداً إلا بإذن الإمام بخلاف القطع وفي تعليق إبراهيم المروذي وجهان فيمن جلد رجلا ثمانين وقال كان قذفني وأقام بينة به هل يحسب ذلك عن الحد وبنى على الوجهين أنه إن عاش هل يعاد الحد وإن مات هل يجب القصاص على الضارب

 فصل إذا نظر إلى حرمة إنسان في داره من كوة أو ثقب

أو شق باب فنهاه صاحب الدار فلم ينتهي فرماه بحصاة و نحوها فأصاب عينه فأعماه أو أصاب قريبا من عينه فجرحه فلا ضمان وإن سرى إلى النفس لم يضمن قال الشافعي رحمه الله ولو ثبت المطلع ولم يندفع بعد رميه بالشيء الخفيف استغاث عليه صاحب الدار فإن لم يكن في موضع غوث قال أحببت أن ينشده بالله تعالى فإن لم يندفع فله ضربه بالسلاح و يناله بما يردعه فإن أتى على نفسه فلا ضمان ولو لم ينل منه صاحب الدار عاقبه السلطان وسواء كان وقوف الناظر في الشارع أو في سكة منسدة الأسفل أو في ملك نفسه إذ ليس للواقف في ملكه مد النظر إلى حرم الناس وعن القاضي حسين وجه ضعيف أنه ليس له قصد عينه إذا وقف في الشارع أو ملك نفسه وإنما يقصده إذا وقف في ملك المنظور إليه وليس بشيء ثم إنما يرمي عينه إذا قصد النظر والتطلع أما إذا كان مخطئاً وقع بصره اتفاقاً وعلم صاحب الدار الحال فلا يرميه فلو رماه وقال الناظر لم أكن قاصدا أو لم أطلع على شئ فلا شيء على الرامي لأن الإطلاع حاصل و قصده أمر باطن لا يطلع عليه وهذا ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق قصده وفي كلام الإمام ما يدل على أنه لا يرمي حتى يتبين الحال وهو حسن‏.‏

فرع هل يجوز رميه قبل إنذاره وجهان أحدهما يحكى عن الشيخ أبي حامد والقاضي حسين لا بل ينذره ويزجره ويأمره بالانصراف فإن أصر رماه جرياً على قياس الدفع بالأهون ولأنه قد يكون له عذر وأصحهما وبه قال الماسرجسي والقاضي أبو الطيب وجزم به الغزالي يجوز رميه قبل الإنذار واستدل صاحب التقريب بجواز الرمي هنا قبل الإنذار على أنه لا يجب تقديم الكلام في دفع كل صائل وأنه يجوز للمصول عليه الابتداء بالفعل قال الإمام مجال التردد في كلامه هو موعظة قد تفيد وقد لا تفيد فأما ما يوثق بكونه دافعاً من تخويف وزعقة مزعجة فيجب قطعاً وهذا أحسن وينبغي أن يقال ما لا يوثق بكونه دافعاً ويخاف من الابتداء به مبادرة الصائل لا يجب الابتداء به قطعاً‏.‏

فرع ليكن الرمي بشيء خفيف تقصد العين بمثله كبندقة وحصى خفيفة أما إذا رشقه بنشاب أو رماه بحجر ثقيل فيتعلق به القصاص والدية لكن لو لم يمكن قصد عينه أو لم ينزجر فيستغيث عليه ويدفعه بما أمكنه كما سبق ولا يقصد رمي غير العين إذا أمكنه إصابتها فإن لم يمكن فرمى عضواً آخر ففي التهذيب حكاية وجهين فيه ونقل أنه لو أصاب موضعاً بعيداً عن عينه بلا قصد فلا يضمن على الأصح والأشبه ما ذكره الروياني أنه إن رماه فأصاب غير العين فإن كان بعيداً فرع لو كان للناظر محرم في الدار أو زوجة أو متاع لم يجز قصد عينه لأن له في النظر شبهة وقيل لا يكفي أن يكون له في الدار محرم بل لا يمنع قصد عينه إلا إذا لم يكن في الدار إلا محارمه والصحيح الأول ولو كان الناظر محرماً لحرم صاحب الدار فلا يرمى إلا أن تكون متجردة إذا ليس للمحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة‏.‏

فرع لو لم يكن في الدار حرم بل كان فيها المالك وحده فإن كان مكشوف العورة فله الرمي ولا ضمان وإلا فوجهان أصحهما لا يجوز رميه والثاني يجوز لأن من الأحوال ما يكره الإطلاع عليه ولو كان الحرم في الدار مستترات بالثياب أو في بيت أو منعطف لا يمتد النظر إليهن فهل يجوز قصد عينه وجهان أصحهما نعم لعموم الأحاديث ولأنه يريد سترهن عن الأعين وإن كن مستورات بثياب ولأن الحرم في الدار لا يدرى متى يسترن وينكشفن فيحسم باب النظر‏.‏

فرع لو كان باب الدار مفتوحاً فنظر منه أو من كوة واسعة أو ثلمة في الجدار فإن كان مجتازاً لم يجز رميه وإن وقف ونظر متعمداً لم يجز رميه أيضاً في الأصح لتفريط صاحب الدار ولو نظر من سطح نفسه أو نظر المؤذن من المنارة جاز رميه في الأصح إذ لا تفريط من صاحب الدار ولو وضع الأعمى عينه على شق الباب فرماه ضمن سواء علم عماه أم لا ولو نظرت المرأة أو المراهق جاز رميهما على الأصح ولو قعد في طريق مكشوف العورة فنظر إليه ناظر لم يجز له رميه لأنه الهاتك حرمته قال ابن المرزبان لو دخل مسجداً وكشف عورته وأغلق الباب أو لم يغلقه فنظر إليه إنسان لم يكن له رميه لأن الموضع لا يختص به ولو كانت الدار ملكاً للناظر قال السرخسي إن كان من فيها غاصباً لم يكن له الرمي وإن كان مستأجراً فله ذلك وفي المستعير وجهان‏.‏

فرع لو انصرف الناظر قبل الرمي إليه لم يجز أن يتبعه ويرميه كالصائل إذا أدبر‏.‏

فرع لو دخل دار رجل بغير إذنه فله أمره بالخروج ودفعه كما يدفعه عن سائر أمواله والأصح أنه لا يدفعه قبل الإنذار كسائر أنواع الدفع وبه قال الماسرجسي ثم هل يتعين قصد رجله لكون الدخول بها كما يتعين قصد العين في النظر أم لا يتعين لأنه دخل بجميع البدن وجهان أصحهما الثاني وهل يجوز قصد العين وجهان قال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة والطبري يجوز لأنه بأول الهجوم متطلع ومنهم من منعه والأصح أن له دفعه بما يتيسر ولا يتعين قصد عضو بعينه ولا يمتنع قصد عضو ودخول الخيمة في الصحراء كالدار في البنيان ولو أخذ المتاع وخرج فله أن يتبعه ويقاتله إلى أن يطرح متاعه ولو قتله وقال قتلته لأنه كابر ولم يخرج وأنكر الولي فهو المصدق وعلى القاتل البينة وإن قال قتلته لأنه قصدني فكذلك وقد ذكر أنه يحتاج إلى بينة بأنه دخل داره مقبلا شاهراً سلاحه ولا تكفي بينة بأنه دخل داره بسلاح من غير شهر‏.‏

فرع لو وضع أذنه على شق الباب أو وقف على الباب يتسمع لم يجز رمي أذنه إذ ليس السمع كالبصر في الإطلاع على العورات وقال الإمام وفي بعض التعاليق عن شيخي وجه ولا أثق بالمعلق‏.‏

 فصل في مسائل من الصيال

قال ابن كج لو صال عليه فحل وأمكنه الهرب فلم يهرب وقتله دفعاً هل يلزمه الضمان يبنى على أنه هل يجب الهرب إذا صال عليه إنسان إن قلنا نعم ضمن وإلا فلا وأبدى تردداً في حل أكل لحم البهيمة التي تلفت بالدفع قال إبراهيم المروذي إن لم يصب المذبح لم تحل وإن أصابه فوجهان لأنه لم يقصد الذبح والأكل ولو صال العبد المبيع على البائع أو أجنبي قبل القبض فقتله دفعاً انفسخ العقد ولو صال على المشتري فقتله ففي مصيره قابضاً وجهان ولو صال العبد المغصوب أو المستعار على مالكه فقتله دفعاً لم يبرأ الغاصب والمستعير على الأصح وفي البيان أنه لو قطع يد الصائل دفعاً فلما ولى تبعه فقتله لزمه القصاص في النفس ثم حكى عن بعض الأصحاب أن لورثة المصول عليه أن يرجعوا في تركة الصائل بنصف الدية قال والذي يقتضيه المذهب أنهم لا يرجون بشيء لأن النفس لا تنقص بنقص اليد‏.‏

 الباب الثالث في ضمان ما تتلفه البهائم

إذا أتلفت البهيمة فإما أن لا يكون معها أحد من مالك وغيره وإما أن يكون‏.‏

الحال الأول أن لا يكون مع البهيمة أحد وأتلفت زرعاً أو غيره نظر إن أتلفته بالنهار فلا ضمان على صاحبها وإن أتلفته بالليل لزم صاحبها الضمان للحديث الصحيح في ذلك ولأن العادة أن أصحاب الزروع والبساتين يحفظونها نهاراً ولا بد من إرسال المواشي للرعي ثم العادة أنها لا تترك منتشرة ليلاً فإذا تركها ليلاً فقد قصر فضمن ولو جرت العادة في ناحية بالعكس فكانوا يرسلون المواشي ليلاً للرعي ويحفظونها نهاراً وكانوا يحفظون الزرع ليلاً فوجهان أصحهما ينعكس الحكم فيضمن ما أتلفه بالنهار دون الليل إتباعاً لمعنى الخبر والعادة والثاني لا تأثير للعادة ويتعلق به فروع‏.‏

الأول المزارع في الصحراء و البساتين التي لا جدار لها حكمها ما ذكرنا أما إذا كان الزرع في محوط وكان البساتين باب يغلق فتركه مفتوحاً فوجهان أحدهما الحكم كذلك لإطلاق الحديث ولأن العادة حفظ البهائم وربطها ليلا فإرسالها تقصير وأصحهما لا ضمان وإن أتلفت بالليل لأن التقصير من صاحب الزرع بفتح الباب‏.‏

الثاني إنما يعتاد إرسال المواشي إذا كان هناك مراع بعيدة عن المزارع وحين إذ إن فرض انتشارها إلى أطراف المزارع لم يعد تقصيراً فأما إذا كانت المراعي متوسطة للمزارع أو كانت البهائم ترعى في حريم السواقي فلا يعتاد إرسالها بلا زراع فإن أرسلها فمقصر ضامن لما أفسدته وإن كان نهاراً هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور‏.‏

الثالث لو ربط بهيمته وأغلق بابه واحتاط على العادة ففتح الباب لص أو انهدم الجدار فخرجت ليلاً فلا ضمان إذ لا تقصير ولو قصر صاحب البهيمة وحضر صاحب الزرع فإن قدر على تنفيرها فليفعل فإن تهاون فهو المقصر المضيع لزرعه فلا ضمان على الصحيح وينبغي أن لا يبالغ التنفير والإبعاد بل يقتصر على قدر الحاجة فإن زاد فضاعت قال إبراهيم المروذي لزمه الضمان وتصير داخله في ضمانه بالتبعيد فوق قدر الحاجة ولو أخرجها من زرعه وأدخلها في زرع غيره فأفسدته لزمه الضمان فإن كانت محفوفة بمزارع الناس ولم يمكن إخراجها إلا بإدخالها مزرعة غيره لم يجز أن يقي مال نفسه بمال غيره بل يصبر ويغرم صاحبها‏.‏

الرابع إذا أرسل دابة في البلد فأتلفت شيئاً ضمن على الأصح وجميع ما ذكرنا في ما إذا تعلق إرسال الدابة و ضبطها باختياره فإن انفلتت لم يضمن ما أتلفته بحال ولو ربط دابته في موات أو ملك نفسه وغاب عنها لم يضمن ما تتلفه وإن ربطها في الطريق على باب داره أو في موضع آخر لزمه الضمان سواء كان الطريق ضيقاً أو واسعاً لأن الارتفاق في الطريق إنما يجوز بشرط سلامة العاقبة كإشراع الجناح وقيل إن كان واسعاً فلا ضمان والصحيح المنصوص هو الأول ولم يتعرضوا للفرق بين ربطه بإذن الإمام ودون إذنه‏.‏

فرع إذا أرسل الحمام أو غيرها من الطير فكسرت شيئاً أو التقطت حباً فلا ضمان لأن العادة إرسالها ذكره ابن الصباغ‏.‏

ضمن ما أتلفته من نفس ومال سواء أتلفت ليلاً أو نهاراً وسواء كان سائقها أو راكبها أو قائدها وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو عضها أو ذنبها لأنها تحت يده وعليه تعهدها وحفظها وسواء كان الذي مع البهيمة مالكها أو أجيره أو مستأجراً أو مستعيراً أو غاصباً لشمول اليد وسواء البهيمة الواحدة والعدد كالإبل المقطورة وحكى ابن كج وجهاً أنه إن كانت الماشية مما تساق كالغنم فساقها لم يضمن وإن كانت مما يقاد فساقها ضمن والصحيح أنه يضمن في الحالين وبه قطع الجماهير ولو كان معها قائد وسائق فالضمان عليهما نصفين وفي الراكب مع السائق أو القائد وجهان أحدهما عليهما نصفين والثاني يخص الراكب بالضمان لقوة يده وتصرفه ولو اجتمع راكب وسائق وقائد فهل يختص الراكب بالضمان أم يجب عليهم أثلاثاً وجهان ولو كان يسير دابة فنخسها إنسان فرمحت وأتلفت شيئاً فالضمان على الناخس على الصحيح وقيل عليهما ولو انفلتت الدابة من يد صاحبها وأتلفت شيئاً فلا ضمان عليه من يده فلو أمسك على اللجام وركبت رأسها فهل يضمن ما تتلفه قولان وعن صاحب التلخيص طرد الخلاف وإن لم يكن معها الراكب كما إذا غلبت السفينتان الملاحين قال الإمام والدابة النزقة التي لا تنضبط بالكبح والترديد في معاطف اللجام لا تركب في الأسواق ومن ركبها فهو مقصر ضامن لما تتلفه وإذا راثت الدابة أو بالت في سيرها في الطريق فزلق به إنسان وتلفت نفس أو مال أو فسد شيء من رشاش الوحل بممشاها وقت الوحول والأنداء أو مما يثور من الغبار وقد يضر ذلك بثياب البزازين والفواكه فلا ضمان في كل ذلك لأن الطريق لا يخلو عنه والمنع من الطرق لا سبيل إليه لكن ينبغي أن يحترز مما لا يعتاد كالركض المفرط في الوحل والإجراء في مجتمع الوحول فإن خالف ضمن ما يحدث منه وكذا لو ساق الإبل في الأسواق غير مقطورة لأنه لا يمكن ضبطها حينئذ وإذا بالت الدابة أو راثت في الطريق وقد وقفها فيه فأفضى المرور في موضع البول إلى تلف فعلى الخلاف السابق فيما لو أتلفت الدابة الموقوفة هناك شيئاً والمذهب أنه لا ضمان وقيل يفرق بين طريق واسع وضيق وعن ابن الوكيل وجه أنه يجوز أن تقف الدابة في الطريق مطلقاً كما يجوز أن يجريها فإذا بالت أو راثت في وقوفها وتلف به إنسان فلا ضمان ولو كان يركض دابته فأصاب شيء من موضع السنابك عين إنسان وأبطل ضوءها فإن كان الموضع موضع ركض فلا ضمان وإلا فيضمن ولو كان يسوق دابة عليها حطب أو حمله على ظهره أو على عجلة فاحتك ببناء وأسقطه لزمه ضمانه وإن دخل السوق به وتلف منه مال أو نفس ففي التهذيب وغيره أنه إن كان ذلك وقت الزحام ضمن وإن لم يكن زحام وتمزق ثوبه بخشبة تعلقت به مثلا فإن كان صاحب الثوب مستقبلا للدابة فلا ضمان لأن التقصير منه إلا أن يكون أعمى فعلى صاحب الدابة إعلامه وإن كان يمشي قدام الدابة لزم صاحبها الضمان إذا لم يعلمه لأنه مقصر في العادة وإن كان من صاحب الثوب جذبه أيضاً بأن تعلقت الخشبة بثوبه فجذبه وجذبتها الدابة فعلى صاحبها نصف الضمان ولو كان يمشي فوقع مقدم مداسه على مؤخر مداس غيره وتمزق لزمه نصف الضمان لأنه تمزق بفعله وفعل صاحبه هكذا ذكره إبراهيم المروذي وينبغي أن يقال إن تمزق مؤخر مداس السابق فالضمان على اللاحق وإن تمزق مقدم مداس اللاحق فلا ضمان على السابق وجميع ما ذكرنا في وجوب الضمان على صاحب الدابة هو فيما إذا لم يوجد من صاحب المال تقصير فإن وجد بأن عرضه للدابة أو وضعه في الطريق فلا ضمان على صاحب الدابة‏.‏

فرع إذا كانت له هرة تأخذ الطيور وتقلب القدور فأتلفت شيئاً فهل على صاحبها ضمان وجهان أصحهما نعم سواء أتلفت ليلاً أو نهاراً لأن مثل هذه الهرة ينبغي أن تربط ويكف شرها وكذا الحكم في كل حيوان تولع بالتعدي والثاني لا ضمان سواء أتلفت ليلاً أو نهاراً لأن العادة لا تربط أما إذا لم يعهد منها ذلك فوجهان أصحهما لا ضمان لأن العادة حفظ الطعام عنها لا ربطها والثاني يفرق بين الليل والنهار كما سبق في البهيمة وأطلق الإمام في ضمان ما تتلفه الهرة أربعة أوجه أحدها يضمن والثاني لا والثالث يضمن ليلاً لا نهاراً كالبهيمة والرابع عكسه لأن الأشياء تحفظ عنها ليلاً وإذا أخذت الهرة حمامة وهي حية جاز فتل أذنها وضرب فمها لترسلها وإذا قصدت الحمام فأهلكت في الدفع فلا ضمان فلو صارت ضارية مفسدة فهل يجوز قتلها في حال سكونها وجهان أصحهما وبه قال القفال لا يجوز لأن ضراوتها عارضة والتحرز عنها سهل وقال القاضي حسين تلتحق بالفواسق الخمس فيجوز قتلها ولا يختص بحال ظهور الشر قال الإمام وقد انتظم لي كلام الأصحاب أن الفواسق مقتولات لا يعصمها الاقتناء ولا يجري الملك عليها ولا أثر لليد والاختصاص فيها‏.‏

فرع لو كان في داره كلب عقور أو دابة رموح فدخلها إنسان فرمحته أو عضه الكلب فلا ضمان إن دخل بغير إذن صاحب الدار أو بإذنه وأعلمه بحال الكلب والدابة وإن لم يعلمه فقولان كما لو وضع بين يديه طعاماً مسموماً ومنهم من خص الخلاف بمن كان أعمى أو في ظلمة وقطع بنفي الضمان إذا كان بصيراً يرى‏.‏

فرع لو ابتلعت البهيمة في مرورها جوهرة ضمنها صاحبها إن كان معها أو وجد منه تقصير بأن طرح لؤلؤة غيره بين يدي دجاجة وإلا فوجهان أحدهما يفرق بين الليل والنهار كالزرع والثاني يضمن ليلاً ونهاراً وإذا أوجبنا الضمان فطلب صاحب الجوهرة ذبحها ورد الجوهرة فقد سبق بيانه في الغصب‏.‏

 فصل في مسائل منثورة

من الباب وربما سبق بعضها فأعدناه أو صح في فتاوى البغوي أن الراعي كالمالك يضمن ما أتلفته الدابة في يده ولو كان عنده دابة وديعة فأرسلها فأتلفت لزمه الضمان ليلاً كان أو نهاراً لأن عليه حفظها ليلاً ونهاراً وفي هذا توقف ويشبه أن يقال عليه حفظها بحسب ما يحفظ الملاك وأنه لو استأجر رجلا لحفظ دوابه فأتلفت زرعاً ليلاً أو نهاراً فعلى الأجير الضمان لأن عليه حفظها في الوقتين وذكر أنه رأى المسألة كذلك في طريقة العراق‏.‏

قلت ينبغي أن لا يضمن الأجير والمودع إذا أتلفت ليلاً كان أو نهاراً لأن على صاحب الزرع حفظه نهاراً وتفريط الأجير إنما يؤثر في أن مالك الدابة يضمنه والله أعلم‏.‏

وأنه لو دخلت دابة ملك رجل فأخرجها ضمن كما لو هبت الريح بثوب في حجره فألقاه ضمن بل عليه ردها إلى المالك فإن لم يجده سلمها إلى الحاكم إلا أن تكون مسيبة من جهة المالك كالإبل والبقر وعلى هذا فالذي سبق أنه يخرجها من زرعه إلا إذا كان زرعه محفوفاً بزرع الغير يحمل على ما إذا كانت مسيبة من جهة المالك وأنها لو دخلت بهيمة أرضه فتلف زرعه دفعها كما يدفعها لو صالت فإن نحاها عن الزرع واندفع ضررها لم يجز إخراجها عن الملك لأن شغلها المكان وإن كان فيه ضرر بحيث لا يبيح إضاعة مال غيره ولو أن مالكها أدخلها في ملك صاحب الأرض بغير إذنه فأخرجها بعد غيبة مالكها أو وضع إنسان متاعه في المفازة على دابة شخص بغير إذنه وغاب ألقاه صاحب الدابة فيحتمل وجهين في الضمان وعدمه وأنه لو كان يقطع شجرة في ملكه فسقطت على رجل أحد النظارة فانكسرت فإن عرف القاطع أنها إذا سقطت تصيب الناظر ولم يعرف الناظر ذلك ولا أعلمه القاطع ضمن القاطع سواء دخل ملكه بإذنه أو بغير إذنه وإن عرف الناظر ذلك أو عرفاه جميعاً أو جهلاه فلا ضمان وأنه لو دخلت بقرة ملكه فأخرجها من ثلمة فهلكت ضمن إن لم تكن الثلمة بحيث تخرج البقرة منها بسهولة وأنه لو دخلت دابة ملكه فرمحت صاحب الملك فمات فحكم الضمان كما لو أتلفت زرعه يفرق بين الليل والنهار وإذا أوجبنا الضمان فالدية على العاقلة كحفر البئر وأنه لو ركب صبي أو بالغ دابة رجل دون إذنه فغلبته الدابة وأتلفت شيئاً فعلى الراكب الضمان بخلاف ما لو ركب المالك فغلبته حيث لا يضمن في قول لأنه غير متعد وأنه إذا أهاجت الرياح وأظلم النهار فتفرقت غنم الراعي ووقعت في زرع فأفسدته فالراعي مغلوب وفي وجوب الضمان عليه قولان أظهرهما لا ضمان وكذا الحكم لو ند بعير من صاحبه فأتلف شيئاً ولو نام وتفرقت الأغنام وأتلفت ضمن لتقصيره وأن الرجل لو كان على دابة فسقطت ميتة وأهلكت شيئاً أو مات الراكب وسقط على شيء لم يضمن وكذا لو انتفخ ميت وتكسر بسبب انتفاخه قارورة بخلاف الطفل يسقط على قارورة يضمن لأن للطفل فعلا بخلاف الميت وأنه لو استقبل دابة فردها فأتلفت في انصرافها شيئاً ضمنه الراد ولو نخسها فأسقطت الراكب أو رمحت منه إنساناً فأتلفته فعلى الناخس الضمان فإن نخس بإذن الراكب تعلق الضمان بالراكب ولو حل قيداً عن دابة فخرجت وأتلفت شيئاً لا يضمن كما لو أبطل الحرز فأخذ المال وأنه لو سقطت دابة في وهدة فنفر من سقطها بعير وهلك لا يجب ضمانه على صاحب الدابة وأنه إذا ابتاع بهيمة بثمن في ذمته فأتلفت على المشتري مالا ضمنه البائع لأنها في يده كما لو أتلفت المستعارة شيئاً على المعير يضمنه المستعير وأنه لو ألقى نخاعته في الحمام فزلق بها حر أو عبد وانكسر لزمه الضمان إن ألقاها على الممر وبالله التوفيق‏.‏